الأحلام ماتزال ممگنة في الوادي الجديد..في باطنه ثروات معدنية تقدر بـ 800 مليار جنيه
الأربعاء, 24 مارس 2010 16:00 تحقيق: بهيجة حسين
إرسال إلى صديق طباعة PDF
يمثل 44% من مساحة مصر يعيـــش عليها 200 ألف نسمة
في رحلة استغرقت في الذهاب ثماني ساعات وفي العودة أكثر من اثنتي عشرة ساعة وضعنا أقدامنا علي الأرض التي غنينا لها ونحن صغار
يا «صحرة لمهندس جاي يرويكي بعيون الضي».
كنا في بقعة من بقاع الجمال والدهشة، كنا في الوادي الجديد .
كان اسمها محافظة الصحراء الجنوبية حتي يوم 23 ديسمبر عام 1958 وبمناسبة احتفال أعياد النصر ببورسعيد أصدر الزعيم الراحل جمال عبدالناصر قرارا بإنشاء وادي جديد موازٍ لوادي النيل بالصحراء الغربية فكانت محافظة الوادي الجديد التي وصلتها أول قافلة للتعمير من سلاح المهندسين المصريين في يوم 3 أكتوبر عام 1959 وقد اختير هذا اليوم ليكون عيدا قوميا للمحافظة.
تقع محافظة الوادي الجديد جنوب غرب مصر وتشترك في الحدود الدولية مع ليبيا غربا والسودان جنوبا، أما حدودها الداخلية فهي تشترك مع حدود محافظات المنيا والجيزة ومرسي مطروح شمالا ومحافظات أسيوط وسوهاج وقنا وأسوان شرقا وتضم واحات الخارجة والداخلة والفرافرة وباريس.
ونحن نتحدث عن واحات الوادي الجديد لا نعرف من أين نبدأ هل من التاريخ أم من الطبيعة أم نبدأ بالسؤال ماذا يعني أن تظل مساحة 44% من أرض مصر خالية بينما نوشك أن نختنق في الوادي القديم، خاصة أن المشكلات التي يعيشها أهل الوادي الجديد لا تختلف عن مشكلات أهل الوادي القديم ووفقا لتصريح اللواء أحمد مختار محافظ الوادي الجديد للوفد الإعلامي بأنه قد تم إنفاق 22 مليار جنيه خلال العشرين سنة الماضية لإنشاء البنية الأساسية للمحافظة.
تصريح المحافظ جاء لوفد الإعلاميين الذين شاركوا في ورشة عمل ضمت زملاء من الصحف القومية والحزبية والخاصة وبالإذاعة والتليفزيون أقامها مركز بحوث دراسات المرأة بكلية الإعلام بجامعة القاهرة ومؤسسة فريدريش إيبرت تحت عنوان: «نحو معالجة إعلامية أكثر إنصافا للمرأة» وهي واحدة من ورش العمل في برنامج امتد منذ ست سنوات، استهدف العمل الميداني في محافظات مصر كلها حول أوضاع المرأة عموما والمعيلة بشكل خاص.
كانت آخر محافظات مصر الوادي الجديد بواحاته ووديانه وغابات نخيله وآثاره ومعابده القديمة ورماله وسحره الخاص، كنا في 44% من مساحة مصر التي يعيش عليها 200 ألف نسمة فقط.
وكان من أبرز ما سمعناه من مواطني الوادي الجديد ومعاناتهم - داخل كل هذا الجمال - البطالة حيث يعاني الشباب من الجنسين من البطالة وفرص العمل المتاحة لخريجي الجامعات من الجنسين في مصانع البلح أو ورش إنتاج الكليم والمصنوعات المحلية، ويعمل أيضا في هذه المجالات حملة الشهادات المتوسطة من الجنسين وإن كانت معظم الأيدي العاملة التي التقينا بها سواء في أماكن العمل أو من التقينا بهم في ورش الجمعيات الأهلية من النساء حتي إن زميلة علقت قائلة «سوق العمل كله ستات وفتيات ونسبة الرجال محدودة جدا».
وتعمل الفتيات والنساء في ورش إنتاج الملابس والكليم والفخار وغيرها من الصناعات التقليدية بالإنتاج بمتوسط شهري 150 جنيها وأحيانا أقل نظرا لضعف التسويق الخارجي وعدم استيعاب القوة الشرائية الداخلية للمنتج.
أيضا التقينا عشرات من النساء اللواتي يعملن «رائدات ريفيات» بعقود مؤقتة لمدد تجاوزت السنوات العشر بمكافآت شهرية لم تصل لـ 150 جنيها وأبرز ما يعانين منه هو المواصلات حيث يتنقلن من قرية إلي قرية للتوعية في أوقات الأزمات وفي مواسم التطعيم للأطفال ولأن وسائل المواصلات بين القري تكاد تكون معدومة إلا من السيارات ربع ونصف النقل فإنهن يجدن صعوبة كبيرة ومشقة في الانتقال كما أن المكافآت التي يحصلن عليها لا تكاد تفي ببند المواصلات علي حد قولهن وقد واصلن العمل رغم شروطه الصعبة علي أمل التعيين الذي لا يأتي ولن يأتي وفقا لتصريحات وسياسات الحكومة.
كما لاحظنا رفضا شديدا بين النساء لفكرة أو مشروعات القروض الصغيرة ومتناهية الصغر وذلك لخشيتهن من عدم القدرة علي تسويق إنتاج المشروعات الخاصة بالقروض وبالتالي خشيتهن من عدم قدرتهن علي سداد أقساط القروض حتي لو كانت بفوائد محدودة أو من دون فوائد.
النمل الأبيض
الوضع الاقتصادي للأسر في الوادي الجديد مثله مثل بقية الأسر المصرية وكان أبرز تعبير عن الوضع المتدني ما عبر عنه المواطنون في قرية جورماشين 7 «الاسم نسبة إلي باحث ألماني اكتشف عدة آبار بالمنطقة فسميت القرية باسمه» ومنذ عدة سنوات هاجم النمل الأبيض القرية ودمر بيوتها المبنية بالخشب وهو الغذاء الطبيعي للنمل، فتم إنشاء قرية حديثة علي طراز المهندس حسن فتحي وتم توزيعها علي سكان القرية القديمة بمقدم خمسة آلاف جنيه، ولكن عند التسلم فوجئ الأهالي بمطالبتهم بأقساط شهرية عن الوحدة في حدود 180 جنيها، ورغم ما قد يبدو من ضآلة المبلغ - بأسعار هذه الأيام - فإنهم أكدوا عدم قدرتهم علي سداد المبلغ خاصة أن دخولهم الشهرية لا تفي باحتياجاتهم الأساسية، وخاصة أنهم تركوا بيوتهم وأرضهم مقابل البيوت والأرض الجديدة.
وفي الوادي الجديد مع كل ما يثير الدهشة من غابات نخيل وواحات وآثار وما قدمته لنا المحافظة من كتيبات تكشف أسرار الأرض من معادن وإمكانات كان يتعاظم السؤال ويلح لماذا وما هي المعوقات التي تحول دون خلق مجتمعات عمرانية في هذه الأرض، وما أسباب توقف قوافل التعمير التي بدأت عام 1959، وكيف تنقل الكتل البشرية المكتظة من الوادي القديم إلي الوادي الجديد ليصبح قيمة مضافة حقيقية لمستقبل هذا الوطن وحتي لا تظل 44% من أرض مصر أرض فراغ وخلاء واسعا؟.
كان حلماً
يحدد الدكتور شريف فياض الخبير بمركز البحوث الزراعية أبعاد القضية قائلا: تعامل الدولة مع الوادي الجديد لا يمكن فصله عن منهج وسياسات التعامل مع الأراضي الصحراء في مصر كلها، وإن كانت للوادي الجديد خصوصية فقد كان حلما وكان أحد المشروعات القومية الأساسية في قطاع الزراعة، ومع ذلك لم يتحقق الحلم ولم يستكمل المشروع فلم يحظ بنفس الاهتمام الذي حظيت به النوبارية والصالحية، ويواجه الوادي الجديد مشكلتين أساسيتين هما التسويق خاصة تسويق المنتجات الزراعية، والبعد الجغرافي الذي أدي لإحجام الدولة عن الاهتمام بالوادي الجديد، واهتمت بالمجتمعات القريبة، لإنشاء المجتمعات الخاصة بالرأسمالية الجديدة وليس لإنشاء قاعدة زراعية.
وحتي نضع الوادي الجديد بمساحته الشاسعة علي خارطة التنمية فلابد كما يقول د. شريف فياض من توفير قاعدة بيانات علمية من المنطقة لمعرفة طبيعتها وأهم مشكلاتها وهي التصحر التي تواجه الوادي كمنظومة إنتاجية مستديمة لأن التصحر يؤدي إلي خلل وهدم النظام البيئي، والنظام البيئي هو أرض ومياه وقدرة إنتاجية، لذا لابد من الحفاظ علي الأرض بإنشاء نظام صرف زراعي جيد، مع التعامل مع المياه بحذر بزراعة أنواع من المحاصيل لا تحتاج لكميات كبيرة من المياه.
وأضاف «فياض» بالعلم نستطيع حل جميع المشكلات فليست للدولة خطة للإنتاج الحيواني حيث تدار الثروة الحيوانية وتسير بشكل فردي مع عدم توافر الخدمات البيطرية والأعلاف والإرشادات، لابد من توفير كل هذه الاحتياجات حتي ننهض بالثروة الحيوانية، وبانتهاج الدولة سياسات الإصلاح الاقتصادي وكان إحدي آلياتها رفع الدعم عن مستلزمات الإنتاج الزراعي زادت الأعباء علي المزارع الفقير، وتضاعفت علي مزارعي الوادي الجديد الذين لا يجدون مستلزماتهم بسهولة ويتكبدون مع أسعار السوق تكاليف النقل، ومثال ذلك أن أقرب مصدر للأسمدة منهم هو مصنع كيما بأسوان، كل هذه المشكلات يمكن حلها بوضع آليات سياسية لحل المشكلات، آليات تعتمد علي المشاركة المجتمعية لمعرفة احتياجات المواطنين من بنية أساسية وطرق ومياه و«تقاوي» وسماد، لن تحدث التنمية من دون مشاركة أصحاب المصلحة ولا يمكن فصل الحل عن الدولة والأفراد، ولا يمكن فصله عن الخطط العلمية ووضع نظام محاسبي من جهات مستقلة عن المجتمع المدني الممثل في الأحزاب والمنظمات الأهلية.
وأشار إلي غياب البحث العلمي واعتبره أكبر المشكلات التي تواجه الصحراء وضآلة ميزانيته فما ينفق علي الزراعة أو استنباط سلالات جيدة وجديدة من القطاع الخاص يساوي صفرا وما تنفقه الدولة في هذا المجال قليل ويقل عاما عن آخر.
باطن الأرض
وإذا كانت هذه المساحة الشاسعة هي ظاهر الأرض فإن باطنها يحمل ثروات معدنية تقدر قيمتها بأكثر من 800 مليار جنيه منها الحجر الجيري والطفلة والفوسفات ، كما تضم الرمال البيضاء ورمال المباني والرخام والجرانيت وأكاسيد الحديد والبازلت وغيرها، «وفي قلب الصحراء الغربية وعلي بعد 650 كم من القاهرة يقف مشروع فوسفات الوادي الجديد، فاتحا ذراعيه لمستقبل واعد لأبناء مصر وبسمة أمل لمستقبل مشرق.. حيث يوجد أكبر احتياطي عالمي لخام الفوسفات ليس في مصر وحدها بل في العالم» هذه الفقرة منقولة من أحد الكتيبات التي توزعها المحافظة علي زوارها.. ومع ذلك الغموض يحيط بهذا المشروع بداية من سرقة 70كم من خط السكة الحديد «القضبان» من ميناء سفاجا حتي أبوطرطور منذ بضع سنوات في حادثة مثيرة للتساؤل لما بها من صعوبة فك القضبان ونقلها في مسافة بهذا الطول.
كما أن قضية أبوطرطور من القضايا المثارة، ومؤخرا قدم النائب عزب مصطفي استجوابا بشأنها في مجلس الشعب هي وفحم المغارة وقد حدد الاستجواب خسائرها بحوالي 40 مليار جنيه، وقال النائب عزب مصطفي في استجوابه: «إن الحكومة كانت تستطيع تحويل المشروعين إلي فرصة للتنمية لولا الإدارة السيئة لهما» وأشار إلي أن هذين المشروعين لهما ما يماثلهما في استراليا ويدران أرباحا سنويا 500 مليون دولار وأكد أن الحكومة ليست لديها خطط سليمة و«تعطي دروسا في سوء إدارة أموال الدولة».
وتساءل العضو: «هل تسعي الحكومة لبيع المشروع؟» وفي جلسة مجلس الشعب وفي رد وزير البترول المهندس سامح فهمي أكد صلاحية مشروع فوسفات أبوطرطور واعترف بأن التخطيط الاستراتيجي للمشروع كان دون المستوي.
الإمكانات متاحة فعلا
وفي تأكيده علي إمكانات التنمية في الوادي الجديد قال الدكتور أبوزيد راجح - خبير الإسكان والتخطيط العمراني - إن جميع المقومات اللازمة لإحداث تعمير وتنمية في الوادي الجديد موجودة ولدينا رؤية الدكتور فاروق الباز الذي يري إنشاء طريق التعمير والذي بإمكانه خلق فرص التنمية بعد إنشاء الطريق الممتد من شمال الدلتا إلي أسوان جنوبا بمحازاة الحيز المعمور الحالي، ورؤية الدكتور رشدي سعيد الذي يري أن الوادي الجديد غني بالمواد الخام الأولية وبالتالي يمكن توطين أنشطة التعليم به والصناعات التي تعتمد عليها.
كما يري الدكتور ممدوح حمزة أن محور التعمير ينتقل غربا ويمتد من سيدي براني إلي واحة سيوة مارا بالواحات الداخلة والخارجة ويمتد إلي توشكي أي يخترق الوادي الجديد وفي رأيه أن هذا المحور أكثر ثراء من حيث الإمكانات الظاهرة والباطنة من المحور الذي يقترحه فاروق الباز أي يربط الواحات كلها بمحور تنموي يمتد من الشمال إلي الجنوب ويمتاز بإمكاناته المتعددة الزراعية والصناعية والتعدينية والسياحية فإذا نحن لدينا محور الباز وحمزة وسعيد وهو لم يقترح محورا معينا ولكن يقترح رؤية لتنمية الصحراء الغربية بصفة عامة.
ويعطي د. أبوزيد راجح أهمية كبري لبدائل الطاقة فيقول: إن الطاقة الشمسية لها أهميتها الكبري وهي المصدر الرئيسي للطاقة المتجددة وعلي الأخص إن مصادر الطاقة التقليدية علي وشك النضوب وتتمثل الطاقة الجديدة والمتجددة في الطاقة الشمسية والتي لها إمكانات متنامية ومتزايدة وفي رأي البعض أن الصحراء الغربية دون أي منطقة أخري إقليمية أو عالمية يمكن أن تمد أوروبا في يوم ما بكل ما تحتاجه من طاقة، هذا فضلا عن إمكانات الصحراء الغربية والوادي الجديد تتمثل أساسا في إمكاناتها الزراعية والصناعية بجانب إمكاناتها السياحية، ولكن تجب الإشارة إلي أن الزراعات والصناعات التي سوف تتوطن في الوادي الجديد لابد أن تعتمد علي التكنولوجيات الحديثة وهي تكنولوجيا الميكرو والنانو تكنولوجي، والتكنولوجيا النووية والإشعاعية وتكنولوجيا الفضاء والتكنولوجيا الحيوية بهدف الوصول إلي تنوع ومزيد من الإنتاج في مجالي الزراعة والصناعة، وهذا التحدي الكبير في ترويض الصحراء والاستقرار في المحاور التنموية بها شبيه بالتحدي الذي واجه أسلافنا عندما انتقلوا للاستقرار بجوار نهر النيل وأقاموا حضارتهم العظيمة الأولي ولا شك أن ترويض الصحراء سوف يكون أصعب من ترويض النهر ولكن التكنولوجيا الحديثة المتاحة لنا الآن يجعل الاستقرار السكاني في هذه المنطقة العظيمة أمرا ممكنا وميسرا والتحدي الذي سوف يواجه المصريين في تعمير الوادي الجديد والصحراء الغربية عموما سوف يؤدي بالضرورة إلي بدء دورة حضارية جديدة معاصرة بعد أن أوشكت الدورة الحضارية الزراعية في الوادي أن تصل إلي نهاياتها، وذلك لأن الحيز الحالي في الوادي والدلتا ضاق بساكنيه ولم يعد يحتمل مزيدا من السكان بعد أن بلغنا 80 مليون نسمة والتي تمثل عبئا ثقيلا علي الحيز المكاني الحالي الذي تبلغ مساحته 4% من مساحة مصر ويسكنه 2.98% من مجموع السكان ومن المتوقع أن تبلغ الزيادة السكانية خلال الأربعين سنة القادمة 60 مليونا ولابد أن نجد مستقرات بشرية خارج الوادي والدلتا لاستيعاب هذه الزيادة السكانية الكبيرة وهنا تأتي ضرورة وأهمية تعمير الأقاليم الواعدة تنمويا مثل الوادي الجديد وسيناء وسواحل مصر، ولو ترك الأمر كما هو عليه الآن فسوف تختفي الأراضي الزراعية في الوادي والدلتا بالكامل نتيجة الزيادة السكانية والامتداد العمراني للمدن والقري ما بين عامي 2070 و2100 فمصر كما عرفت تاريخيا وجغرافيا سوف تختفي من الوجود في هذه الفترة وهذا هو السيناريو المتشائم فالغطاء الزراعي الأخطر سيختفي تحت الخرسانة، والسيناريو المتفائل يقول إنها ستختفي في 2100.
دراسات عديدة وافكار سديدة ورؤي طرحها خبراء مصريون لهم اسمهم وسمعتهم علي مستوي العالم كلها تنير الطريق لمن يريد أن ينهض بمصر وواديها الجديد ولكن أهل الحكم لا يستوعبون كل هذه الافكار ولا حتي يريدون أن ينظروا للعالم حولنا ليعرفوا كيف تخطط الدول للنهوض بحاضرها ومستقبلها ويكفي للاسف - ويا للحسرة- أن ننظر شرق سيناء لنجد أن إسرائيل استطاعت أن تستغل صحراء النقب رغم أزمة المياه عندها وطورتها بالتكنولوجيا الحديثة فهل من يسمع؟