رومانسية الخطوبة وتراجيديا الزواج
*
فترة الخطوبة هي أجمل فترة يعيشها الزوجان. ففي هذه الفترة تكون
الرومانسية في أوجها، ويكون الخطيبان ملاكين في الكلام والأفعال والأخلاق.
هي أنثى من حرير تكاد النسمة تجرح خدها، وهي الأنثى التي كان خطيبها
محظوظاً بالعثور عليها. وتقول له إنَّ الخاطبين يقفون طابوراً أمام بيتها،
ولكن قلبها لم يختر إلا هذا الشاب (ربما هذا الشاب هو أول مَن طرق بابهم،
وأهلها هلكوا من الدعاء والصدقات ومن التدليل عليها). ولكي تقتنع بأن هذا
الشاب، هو المكتوب لها من دون منازع، فقد استخارت ثلاث مرات، وفي كل مرة
ترى حلماً جميلاً، بساتين مزهرة ومثمرة على مد البصر، جداول رقراقة
وكثيراً من الأطفال بملابس بيضاء، بل لم تكن أحلاماً، إنما رأت ثلاثة
مسلسلات طويلة، الأول تركي، والثاني مكسيكي، والثالث كانت ترى أرجنتيني.
وفي نهاية المسلسلات الثلاثة كانت ترى نفسها تؤدي فريضة الحج، وأنها (الله
يحرسها ويحفظها) سوف تجعل من بعلها أسعد زوج على وجه الأرض. هي تحافظ على
فروضها وتؤدي الصلوات حاضرة، وهي لا تخرج من المنزل بتاتاً، إلاّ مع أمها،
لزيارة الأرحام، وتكره الأسواق. هي قنوعة ومقتصدة، لا تحب مشاهدة
التلفزيون كثيراً، ولا ترضى إلاّ بأن يأكل زوجها من يدها. لا تريد سوى
خادمة واحدة تساعدها في أعمال المنزل، وتتمنَّى أن تسكن مع "عمتها" أم
زوجها، لأنها طيبة كثيراً وفي منزلّة أمها. لا تحب وضع المساحيق على
وجهها، ولا تستخدم سوى الكحل وأحمر الشفاه فقط. لا تحب البذخ في العرس
وسواه، وهي لم تكن تفكر في الزواج حالياً، إلاّ أنها هذه المرة طاوعت
قلبها ورأي أمها واستخارتها، وهناك ألف مَن يتمنّاها.
أما فهو، فيقول لها إنه يكره الشبان الذين يغازلون، ولو أنه يغازل لَمَا
فكُّر في الزواج، وظل مستمتعاً بالعزوبية. لم يُكلَّم فتاة ذات يوم لغير
ضرورة قاهرة (ربما يكون مغازلجياً من العيار الثقيل)، هو كريم (ربما يكون
كنجوساً) وجاد، لكنه مرح وبوش (ربما أهبَل)، يحترم المرأة ولا يهينها
(ربما لا يعرف ما يقول)، لن يترك زوجته إلاّ للعمل، وسيحاول جاهداً أن
يوفر لها متطلباتها، سيكون الزواج المثالي والأب الحنون، يُصلِّي في
المسجد (ربما يضع قطناً في أذنيه عند الأذان)، يؤدّي الواجبات ويتحاشَى
المحرَّمات، ويحاول قدر المستطاع أن يُلقي عليها النكات، وبعض الغزل على
الماشي، لكنه لا يتمادّى كثيراً حتى لا تأخذ عليه كثيراً وتضيع هيبته
ويصبح بعد الزواج "طرطوراً".
وتظل الأسطوانة الرومانسية مستمرة بين الطرفين، بما تحمل من رقيق الكلام
وجميل المعنَى، حتى يزف العريس إلى عش الزوجية بعد أن دفع الذي أمامه
وخلفه واستدان ما استطاع حتى تخرج النسوة من العرس راضيات، وزوجته وأمها
فخورتين. بعد أن يزف وينفضّ السامر ويذهب الذين جمعوا بينهما ومدحوهما حتى
أقنعوهما ببعض، وبعد أن يُغلق الباب عليهما، يبدأ الاكتشاف قليلاً قليلاً.
أما السعيدان المحظوظان (وهذا نادر جداً) فإنهما يجدان في بعضهما
مبتغاهما، ولكن ليس بدرجة السيمفونية التي كان يعزفها كل منهما للآخر أيام
الخطوبة وكتب الكتاب. وأما الآخرون (ولا أقول الجميع)، فإنهم يكتشفون أن
"الحية بيضا". فالعفيفة الشريفة تغيَّر رقمها كي تهرب من الماضي، وبعضهن
لا يتورعن عن أن يطلبن من أحد أصدقائهن الثقات أن يستخرج لهنَّ رقماً،
بشرط ألاَّ يتصل بهنَّ إلا إذا أرسلن إليه رسالة. ومع الأيام تتكشَّف
حقيقة الزوجة: تسهر طوال الليل على النت أو مشاهدة التلفزيون، وتنام حتى
الظهر، لا تُصلِّي، وإذا أرادت الصلاة انتظرت عودة زوجها إلى البيت حتى
تريه أنها تُصلِّي. ولكي تجعله يثق بها تذهب إلى بعض الدروس الدينية وتوحي
إليه بأنها منقَّبة، تعتمد تماماً على الشغالات (وليست شغالة واحدة كما
كانت تطلب)، تضع كميات رهيبة من المساحيق على وجهها، ولا تترك مركزاً
تجارياً إلا وتزوره أسبوعياً أكثر من مرة، تقضي أيامها في الأسواق، خصوصاً
إذا كانت أمها أو إحدى صديقاتها أو قريباتها تفعل ذلك وتشجعها على فعله،
وإذا أنجبت فإن مهمتها تجاه وليدها تنتهي بعد شهر من خروجها من المستشفى.
أما الرجل، فإن عكس ما كان يقول، بخيل، عصبي، يوزع أرقامه في كل الأماكن
والاتجاهات، يرتكب كل الفواحش، ما ظهر منها وما بطن، لا يعرف معنى
المسؤولية والالتزام. باختصار، شيطان في هيئة إنسان.
يبدأ الاكتشاف ويبدأ الجحيم، فما الذي يحدث بعد ذلك؟
هل مَن يجيبب عن هذا السؤال، علماً بأن ما ذكرته لا ينطبق على الكل، ولكنه حدث ويحدث في الواقع؟
منقووووووول
*
فترة الخطوبة هي أجمل فترة يعيشها الزوجان. ففي هذه الفترة تكون
الرومانسية في أوجها، ويكون الخطيبان ملاكين في الكلام والأفعال والأخلاق.
هي أنثى من حرير تكاد النسمة تجرح خدها، وهي الأنثى التي كان خطيبها
محظوظاً بالعثور عليها. وتقول له إنَّ الخاطبين يقفون طابوراً أمام بيتها،
ولكن قلبها لم يختر إلا هذا الشاب (ربما هذا الشاب هو أول مَن طرق بابهم،
وأهلها هلكوا من الدعاء والصدقات ومن التدليل عليها). ولكي تقتنع بأن هذا
الشاب، هو المكتوب لها من دون منازع، فقد استخارت ثلاث مرات، وفي كل مرة
ترى حلماً جميلاً، بساتين مزهرة ومثمرة على مد البصر، جداول رقراقة
وكثيراً من الأطفال بملابس بيضاء، بل لم تكن أحلاماً، إنما رأت ثلاثة
مسلسلات طويلة، الأول تركي، والثاني مكسيكي، والثالث كانت ترى أرجنتيني.
وفي نهاية المسلسلات الثلاثة كانت ترى نفسها تؤدي فريضة الحج، وأنها (الله
يحرسها ويحفظها) سوف تجعل من بعلها أسعد زوج على وجه الأرض. هي تحافظ على
فروضها وتؤدي الصلوات حاضرة، وهي لا تخرج من المنزل بتاتاً، إلاّ مع أمها،
لزيارة الأرحام، وتكره الأسواق. هي قنوعة ومقتصدة، لا تحب مشاهدة
التلفزيون كثيراً، ولا ترضى إلاّ بأن يأكل زوجها من يدها. لا تريد سوى
خادمة واحدة تساعدها في أعمال المنزل، وتتمنَّى أن تسكن مع "عمتها" أم
زوجها، لأنها طيبة كثيراً وفي منزلّة أمها. لا تحب وضع المساحيق على
وجهها، ولا تستخدم سوى الكحل وأحمر الشفاه فقط. لا تحب البذخ في العرس
وسواه، وهي لم تكن تفكر في الزواج حالياً، إلاّ أنها هذه المرة طاوعت
قلبها ورأي أمها واستخارتها، وهناك ألف مَن يتمنّاها.
أما فهو، فيقول لها إنه يكره الشبان الذين يغازلون، ولو أنه يغازل لَمَا
فكُّر في الزواج، وظل مستمتعاً بالعزوبية. لم يُكلَّم فتاة ذات يوم لغير
ضرورة قاهرة (ربما يكون مغازلجياً من العيار الثقيل)، هو كريم (ربما يكون
كنجوساً) وجاد، لكنه مرح وبوش (ربما أهبَل)، يحترم المرأة ولا يهينها
(ربما لا يعرف ما يقول)، لن يترك زوجته إلاّ للعمل، وسيحاول جاهداً أن
يوفر لها متطلباتها، سيكون الزواج المثالي والأب الحنون، يُصلِّي في
المسجد (ربما يضع قطناً في أذنيه عند الأذان)، يؤدّي الواجبات ويتحاشَى
المحرَّمات، ويحاول قدر المستطاع أن يُلقي عليها النكات، وبعض الغزل على
الماشي، لكنه لا يتمادّى كثيراً حتى لا تأخذ عليه كثيراً وتضيع هيبته
ويصبح بعد الزواج "طرطوراً".
وتظل الأسطوانة الرومانسية مستمرة بين الطرفين، بما تحمل من رقيق الكلام
وجميل المعنَى، حتى يزف العريس إلى عش الزوجية بعد أن دفع الذي أمامه
وخلفه واستدان ما استطاع حتى تخرج النسوة من العرس راضيات، وزوجته وأمها
فخورتين. بعد أن يزف وينفضّ السامر ويذهب الذين جمعوا بينهما ومدحوهما حتى
أقنعوهما ببعض، وبعد أن يُغلق الباب عليهما، يبدأ الاكتشاف قليلاً قليلاً.
أما السعيدان المحظوظان (وهذا نادر جداً) فإنهما يجدان في بعضهما
مبتغاهما، ولكن ليس بدرجة السيمفونية التي كان يعزفها كل منهما للآخر أيام
الخطوبة وكتب الكتاب. وأما الآخرون (ولا أقول الجميع)، فإنهم يكتشفون أن
"الحية بيضا". فالعفيفة الشريفة تغيَّر رقمها كي تهرب من الماضي، وبعضهن
لا يتورعن عن أن يطلبن من أحد أصدقائهن الثقات أن يستخرج لهنَّ رقماً،
بشرط ألاَّ يتصل بهنَّ إلا إذا أرسلن إليه رسالة. ومع الأيام تتكشَّف
حقيقة الزوجة: تسهر طوال الليل على النت أو مشاهدة التلفزيون، وتنام حتى
الظهر، لا تُصلِّي، وإذا أرادت الصلاة انتظرت عودة زوجها إلى البيت حتى
تريه أنها تُصلِّي. ولكي تجعله يثق بها تذهب إلى بعض الدروس الدينية وتوحي
إليه بأنها منقَّبة، تعتمد تماماً على الشغالات (وليست شغالة واحدة كما
كانت تطلب)، تضع كميات رهيبة من المساحيق على وجهها، ولا تترك مركزاً
تجارياً إلا وتزوره أسبوعياً أكثر من مرة، تقضي أيامها في الأسواق، خصوصاً
إذا كانت أمها أو إحدى صديقاتها أو قريباتها تفعل ذلك وتشجعها على فعله،
وإذا أنجبت فإن مهمتها تجاه وليدها تنتهي بعد شهر من خروجها من المستشفى.
أما الرجل، فإن عكس ما كان يقول، بخيل، عصبي، يوزع أرقامه في كل الأماكن
والاتجاهات، يرتكب كل الفواحش، ما ظهر منها وما بطن، لا يعرف معنى
المسؤولية والالتزام. باختصار، شيطان في هيئة إنسان.
يبدأ الاكتشاف ويبدأ الجحيم، فما الذي يحدث بعد ذلك؟
هل مَن يجيبب عن هذا السؤال، علماً بأن ما ذكرته لا ينطبق على الكل، ولكنه حدث ويحدث في الواقع؟
منقووووووول