بسم الله الرحمن الراحيم
التشاركية في تحمل المسؤوليات بين الرجل والمرأة
قد تكونون مؤمنين بالعدالة والمساواة بين الجنسين ولكن هل تطبقونها؟... هذا السؤال وأسئلة أخرى تطرح عندما يفتح أي نقاش يتعلق بالمساواة بين الرجل والمرأة والتشاركية في الحياة الزوجية في تحمل المسؤوليات.. وكل ما ينبع من خلال هذه الطروحات بشكل عام..
مخطئ من يظن أن تحرر المرأة يعني، بأي حال من الأحوال، هو تمييز لصالح المرأة ضد الرجل! لأن المطالبة بتحرر المرأة تعني بالضرورة تحقيق المساواة. والمساواة لا تعني بأي شكل من الأشكال صعود أحد على حساب آخر. بل تعني التكافؤ والتكامل والتساوي في الحقوق والواجبات بشكل كامل.
فالمرأة العاملة، مثلاً، لا يمكن لها أن تقول إنها تعمل من أجل أن تثبت ذاتها فقط... (على أهمية ذلك).. وأن المساعدة في النفقة هي من واجبات الرجل فقط! فهو المسؤول شرعاً وقانوناً عن ذلك!....
ولا يمكن للرجل أن يتهرب من المشاركة في الأعباء المنزلية بحجة أن هذه الأعمال هي للمرأة فقط!... لأن طبيعة الظروف الاقتصادية والاجتماعية السائدة تفرض تعاوناً ضرورياً بين الطرفين للوصول إلى السعادة والاستقرار في الحياة الزوجية. وهذا لا يمكن أن يكون من باب الفرض، بل يجب أن يكون نابعاً من وجدان أناس متفهمين واعين لصعوبات الحياة بين شخصين عاقلين يسيران يداً بيد نحو الأمان والاستمرار في حياتهم الزوجية.....
فما المشكلة في أن تقف المرأة مع الرجل في بناء عش الزوجية وتأمين حاجات المنزل؟ وما المشكلة في أن يكون الرجل شريكاً حقيقيا للمرأة في كل أعباء البيت وتربية الأطفال دون أن يخشى من نظرات المتطفلين وثرثرة الجيران...؟!
إن أهم الأسس التي تبنى عليها حياة سعيدة بين الزوجين تنبع من وجود حب وإخلاص متبادلين بين الزوجين، بالإضافة لتعاون واضح وثقة متبادلة.
إن الثقافة الاجتماعية السائدة تمنع التصريح بوجود هذا التعاون في الأسرة! لأن الرجل، بالمفهوم الشرقي، هو ذلك السيد الذي لا يهتز له جفن مهما عانت المرأة من أعباء! ومهما كانت تتحمل من ضغوط! هو ذلك الرجل الذي قد لا يعرف معالم المطبخ لأنه خاص بالمرأة!
تلك المفاهيم التي ترى أنه من المعيب على الرجل أن يتلقى معونة اقتصادية من زوجته! خشية على صورة الرجولة من أن تهتز! أو قد يكون، وبخبث اجتماعي، خشية إن يفقد ما يسمى (السيطرة الاقتصادية) بوهم يتخيله البعض في عقول مريضه....
كما إن هذا المجتمع لا يقبل أن تكون المرأة حرة واعية: تناقش وتجادل.. في مجتمع يكون فيه الرجل حاضراً! أي إن "غرفة الضيوف" هي للرجل فقط! كما المطبخ للمرأة!.... وإن وجدت بسبب زيارة عائلية مثلاً، فالمرأة يجب أن تتكلم "إذا" سمح الرجل! أو بعدما ينتهي من حديثه! دون أن تخالفه الرأي! وإلا.. فالويل الويل!!
إن المنطق والعقل يفرض هذا التعاون الذي نرجوه. لأن حياة اليوم صعبة بكل ما تتسع له هذه الكلمة من معان! ولاسيما أن الرجل قد سحنته الظروف الاقتصادية والاجتماعية، فصار مرغما على العمل ليلاً نهاراً. وهذا يعني ابتعاده عن الأسرة، وخلق فراغ أسري من الصعب على شريكته أن تملأه.
إذا فمعونة المرأة للرجل اقتصادياً، وتعليمها وعملها.. قد تكون حلاً بديلاً عن عمل الرجل المسائي الطويل الذي قد يستمر إلى أكثر من خمس ساعات مسائية عند الطبقة الكادحة.. أو عن السفر والاغتراب الدائم الذي هو مشكلة كبيرة تعاني منها الطبقات الكادحة في مجتمعنا.
وبالتالي فإن وجود الرجل في المنزل مساءً يحقق ايجابيات هامة على صعيد الأسرة. لأن تواجد الأم والأب إلى جانب الأطفال في المساء، وخاصة في المراحل العمرية الحساسة عند الأطفال، هو هام جداً ليتشاركا في حياة أسرية سليمة، وليحققا الاستقرار العاطفي للأطفال.
كما أن الاهتمام الدراسي الذي صار ملحاً أكثر في هذه الفترة في ظل هذه المناهج لمدرسية المعقدة يضيف عبئاً جديداً على حياتنا اليومية، ويجعل مسؤولية الأب والأم أكبر في تحقيق التطور العلمي لدى الأطفال.
بالإضافة إلى أن النمو السليم للأطفال لا يمكن أن يكون دون توفير مناخ محيط بهم سليم هو أيضاً.
كما أن التشارك في الحياة الأسرية والأعباء المنزلية أمام الأطفال يخلق جواً من الود والمحبة بينهم، ويعلمهم قيمة التعاون والتعامل الراقي بين الجنسين، ويساهم في تغيير هذه الثقافة المجتمعية المتخلفة التي يجب إيجاد ثورة داخلية في صومعتها لنخرج إلى جو أكثر اتساعاً وأكثر عدالة في خلق السعادة والرقي بالمجتمع، من حالة الذوبان الفردي في صومعة الجماعة، إلى حالة التأثير الايجابي للفرد على المجتمع. وهذا لا يكون إلا بتغيير هذه المفاهيم وخلقها من جديد وتعديل الصور النمطية السائدة، والعمل يداً بيد نحو تحقيق المساواة بين الجنسيين، وتحقيق العدالة الاجتماعية بكل ما تعني الكلمة وتتسع.
إن تحسين الوضع الاقتصادي للفرد هو ضرورة اجتماعية، قبل أن تكون اقتصاديه، لخلق ذلك الاطمئنان الأسري، ولضمان تربية سليمة للأجيال الصاعدة. وهذا يؤدي بالضرورة لتوفير مساهمة فعالة من قبل هذه الأجيال في البناء الحقيقي للوطن.