* شرح الحديث السابع والثلاثون:
- عن ابن عباس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال: ( إن الله كتب الحسنات والسيئات ) إذا عبر الصحابي بمثل هذا التعبير أي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه أو فيما رواه عن ربه فإنه يسمى عند أهل العلم حديثا قدسيا ..
وقوله: ( إن الله كتب الحسنات والسيئات ) أي: كتب ثوابهما وكتب فعلهما فهو الذي كتب الحسنات ؛ لأن الله تعالى حين خلق القلم قال له: ( اكتب قال: رب ، وماذا اكتب ؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة ) وظاهر سياق الحديث أن المراد بهذه الكتابة الثانية ، وهي كتابة الثواب لقوله: ( ثم بين ذلك ) أي: وضحه بالتفصيل ..
- فقال: ( فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ) الهم يعني: الإرادة ، أراد الإنسان أن يعمل حسنة ولكنه لم يعملها.
- ففي هذا الحديث فوائد: أن الله كتبها حسنة كاملة يعني: لا نقص فيها. و قد دلت الأدلة على أنه إذا هم بالحسنة فلم يعملها فإن كان عاجزا عنها أي: تركها عجزا بعد أن شرع فيها فإنه يكتب له الأجر كاملا لقوله تبارك وتعالى: ( وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ ) النساء100.
- وأما إذا هم بها ثم عدل عنها لكسل أو نحوه فإنه كذلك كما في هذا الحديث يكتب له حسنة كاملة وذلك بنيته الطيبة.
- قال: ( وإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف على أضعاف كثيرة ) إذا هم بها وعملها وأحسن في عمله بأن كان مخلصا متبعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله يكتبها عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة وهذه المضاعفة تأتي بحسب حسن العمل والإخلاص فيه وقد تكون فضلا من الله سبحانه وتعالى وإحسانا.
- قال تعالى: ( مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) البقرة261.
- وقال: ( وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة ) وإن هم بسيئة فلم يعملها فإنه يكتب له حسنة كاملة وذلك فيما تركها لله , كما في بعض ألفاظ الحديث: ( لأنه تركها من جرائي ) أي: من أجلي.
- وقد دلت الأدلة على أن من هم بالسيئة فلم يعملها فإنه ينقسم إلى ثلاث أقسام:
القسم الأول: أن يحاول فعلها ويسعى فيه ولكن لم يدركه لأن يكتب عليه وزر السيئة كاملة.
القسم الثاني: إن بها ثم يعزف عنها لا خوفا من الله ولكن لأن نفسه عزفت فهذا يكتب له ولا عليه.
القسم الثالث: أن يتركها لله عز وجل خوفا منه و خشية فهذا كما جاء في هذا الحديث يكتبها الله حسنة كاملة.
- قال: ( وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة كاملة ) ويشهد لهذا قوله تعالى: ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا ) الانعام160. وهذا الحكم بالنسبة للسيئة أي: أنها تكون سيئة واحدة في مكة وغيرها وفي كل زمن إلا في الأشهر الحرم ولكنها في مكة تكون أشد وأعظم لهذا قال الله تعالى: ( وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) الحج25.
- وقال العلماء: إن الحسنات والسيئات تضاعف في كل زمن فاضل وفي كل مكان فاضل ولا تضاعف بالعدد لقوله تعالى: ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ) الانعام160. ولهذا الحديث الذي ساقه المؤلف رحمه الله إن الله يكتبها سيئة واحدة. لما في الحديث من البشارة العظيمة والإحسان العظيم.
* ومن فوائد الحديث:
- حديث عبد الله بن عباس – رضي الله عنه – عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه يسمى عند أهل العلم حديثا قدسيا.
- أن الله سبحانه وتعالى كتب للحسنات جزاء وللسيئات جزاء ، وهذا من تمام عدله وإحكامه جل وعلا للأمور.
- أن رحمة الله سبقت غضبه حيث جعل الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، وأما السيئة فواحدة.
- الفرق بين الهم بالحسنة والهم بالسيئة فالحسنة إذا هم بها الإنسان ولم يعملها كتب الله عنه حسنة كاملة وهذا مما إذا تركها لغير عذر فإنه يكتب له الأجر كاملا أجر النية وإذا كان من عادته أن يعملها ولمكن تركها لعذر فإنه يكتب له الأجر كاملا أجر النية والعمل ؛ لحديث: ( من مرض أو سافر له ما كان يعمل صحيحا قائما ).
- أما السيئة فالهمام بها إذا تركها لله عز وجل كتبها الله عنده حسنة كاملة وإن تركها له ولا عليه ، وإن تركها عجزا عنها كتب له وزر الفاعل بالنية إلا إذا كان قد سعى فيها ولكن عجز بعد السعي فإنه يكتب له عقوبة السيئة كاملة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار ) قالوا: يا رسول الله ، هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال: ( لأنه كان حريصا على قتل صاحبه ).