* شرح الحديث السابع والعشرون:
- عن النواس بن سمعان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( البر حسن الخلق ) البر كلمة تدل على الخير وكثرة الخير وحسن الخلق يعني أن يكون الإنسان واسع البال منشرح الصدر والسلام مطمئن القلب حسن المعاملة , فيقول عليه الصلاة والسلام: ( البر حسن الخلق ) فإذا كان الإنسان حسن الخُلق مع الله ومع عباد الله حصل له الخير الكثير وانشرح صدره للإسلام واطمأن قلبه بالإيمان وخالق الناس بخلق حسن.
- وأما الإثم فبينه النبي عليه الصلاة والسلام بأنه: ( ما حاك في صدرك ) وهو يخاطب النواس بن سمعان , والنواس ابن سمعان صحابي جليل فلا يحيك في نفسه ويتردد في نفسه ولا تأمنه النفس إلا ما كان إثماً ولهذا قال: ( ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس ).
- وأما أهل الفسق والفجور فإن الآثام لا تحيك بنفوسهم ولا يكرهون أن يطلع عليها الناس بل بعضهم يتبجح ويخبر بما يصنع من الفجور والفسق , ولكن الكلام مع الرجل المستقيم فإنه إذا هم بسيئة حاك ذلك في نفسه وكره أن يطلع الناس على ذلك , وهذا الميزان الذي ذكره النبي عليه الصلاة والسلام إنما يكون مع أهل الخير والصلاح.
- ومثل الحديث عن وابصة بن معد رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( جئت تسأل عن البر؟ ) قلت: نعم , قال: ( استفت قلبك ) يعني لا تسأل أحداً واسأل قلبك واطلب منه الفتوى البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب , فمتى وجدت نفسك مطمئنة وقلبك مطمئن إلى شيء فهذا هو البر فافعله ( والإثم ما حاك نفسك ) في النفس وتردد في الصدر , فإذا رأيت هذا الشيء حاك في نفسك وتردد في صدرك فهو إثم.
- قال: ( وإن أفتاك الناس وأفتوك ) يعني إن أفتاك الناس بأنه ليس فيه إثم وأفتوك مرة بعد مرة , وهذا يقع كثيراً تجد الإنسان يتردد في الشيء ولا يطمئن إليه ويتردد فيه ويقول له الناس: هذا حلال وهذا لا بأس به , لكن لم ينشرح صدره بهذا ولم تطمئن إليه نفسه فيقال: مثل هذا إنه إثم فاجتنبه.
* ومن فوائد هذا الحديث والذي قبله:
- فضيلة حسن الخلق حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم حسن الخلق هو البر.
- أن ميزان الإثم أن يحيك بالنفس ولا يطمئن إليه القلب.
- أن المؤمن يكره أن يطلع الناس على عيوبه بخلاف المستهتر الذي لا يبالي , فإنه لا يهتم إذا اطلع الناس على عيوبه.
- فراسة النبي صلى الله عليه وسلم حيث أتى إليه وابصة رضي الله عنه فقال: ( جئت تسأل عن البر والإثم ؟ ).
- إحالة حكم الشيء إلى النفس المطمئنة التي تكره الشر وتحب الخير , لقوله: ( البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب ).
- أن الإنسان ينبغي له أن ينظر إلى ما يكون في نفسه دون ما يفتيه الناس به فقد يفتيه الناس الذين لا علم لهم بشيء لكنه يتردد فيه ويكرهه فمثل هذا لا يرجع إلى فتوى الناس وإنما يرجع إلى ما عنده.
- أنه متى أمكن الاجتهاد فإنه لا يعدل إلى التقليد لقوله: ( وإن أفتاك الناس وأفتوك ).